هل يُمكن للجنيه الإسترليني أن يكون أقوى بالفعل من الدولار الأمريكي؟

أخبار الأسهم

من الأسئلة المهمة التي تطرح نفسها في عالم الاقتصاد، ما مدى قوة الجنيه الإسترليني مقارنةً بالدولار الأمريكي؟ وتكمن الإجابة في زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي (GBP/USD)، إذ يُعدُّ سعر صرفه مؤشِّرًا رئيسيًّا للعلاقة الاقتصادية بين اثنين من أكبر القوى الاقتصادية العالمية. وبالتالي، يُوفِّر الإلمام بطبيعة هذا الزوج وتحرُّكاته رؤى تحليليَّة حول كلا الاقتصادين، ابتداءً من فترات الهيمنة التاريخية لكلٍّ منهما ووصولًا إلى التقلُّبات الحديثة التي تُحرِّكها السياسات النقدية والمُؤشِّرات الاقتصادية والتطوُّرات الجيوسياسية. وفي هذا الصدد، نستكشف في مقالنا الأسباب التي تجعل الجنيه الإسترليني أقوى من حيث القيمة الاسمية النظرية (أي عند النظر فقط إلى سعر الصرف، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنَّه أقوى من حيث القوة الشرائية الفعلية أو القيمة الاقتصادية الحقيقية) حتى يومنا هذا، وما العوامل التي تؤثِّر على قيمته اليوم.

لمحة تاريخيَّة موجزة حول زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي (GBP/USD)

لطالما عُرِفَ الجنيه الإسترليني بكونه إحدى أهم العملات على مستوى العالم. فبوصفه العملة الرسمية لإحدى أوائل الدول الصناعية، ارتبطت قيمته ونفوذه ارتباطًا وثيقًا بمكانة المملكة المتحدة كقوَّة اقتصادية عالمية. وترسَّخت مكانة الجنيه الإسترليني كمخزن موثوق للقيمة خلال فترة ازدهار الإمبراطورية البريطانية، إذ كان حينها الوسيلة الأساسية لتسهيل المُبادلات التجارية وتوفير السيولة التمويلية عبر نطاق الإمبراطورية الواسع.

وفي القرن التاسع عشر، كان الجنيه الإسترليني مدعومًا بما يُسمَّى قاعدة الذهب (وهي نظام نقدي يرتبط بموجبه إصدار العملة الوطنية باحتياطي ثابت من الذهب)، إذ كانت كل وحدة نقدية مطروحة في السوق مدعومةً بكمية مُحدَّدة من الذهب، ممَّا وفَّر مستوى عالٍ من الاستقرار والثقة في العملة. إلَّا أنَّ التحوُّلات الجيوسياسية والحروب ونهوض الاقتصادات المنافِسة ولا سيما الولايات المتحدة بدأت تُضعِف من هيمنة الجنيه الإسترليني خلال القرن العشرين.

وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان الجنيه الإسترليني يُمثِّل عملة الاحتياطي العالمي الأساسية، إذ شكَّل ما يزيد عن 60% من إجمالي الديون العالمية، وكان سعره يقارب 5 دولار. ولكن وبعد الحرب، بدأ الدولار الأمريكي في اكتساب قوة متزايدة، وبحلول عام 1944 مع ظهور اتفاقية بريتون وودز (إطار نقدي دولي تمَّ إقراره عام 1944 بهدف تحقيق الاستقرار في أسواق الصرف العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، إذ نصَّ على ربط العملات العالمية بالدولار الأمريكي، بينما تمَّ تثبيت قيمة الدولار الأمريكي نفسه مقابل الذهب عند 35 دولارًا للأونصة)، حُدِّد سعر الجنيه الإسترليني عند مستوى 4.03 دولارات أمريكية، في حين ثُبِّت سعر الدولار الأمريكي على أساس الذهب، ليصبح عملة الاحتياط العالمي غير الرسمية.

إلَّا أنَّ هذا النظام انهار بحلول عام 1973، ليبدأ كلٌّ من الجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي مرحلة التعويم الحرّ (نظام صرف تتحرَّك فيه أسعار العملات بحرية وفقًا لقوى العرض والطلب في الأسواق المالية دون تدخُّل مباشر من الحكومة أو البنك المركزي لتثبيت السعر عند مستوى معين)، وهو ما جعل سعر صرف زوج GBP/USD عرضةً لتقلُّباتٍ حادَّة، مع تسجيل الجنيه انخفاضًا تدريجيًا على مدى العقود التالية.

وفي عام 2007، سجَّل الجنيه الإسترليني خلال الأزمة المالية العالمية قمةً له مقابل الدولار الأمريكي عند 2.08، وذلك مع ارتفاع معدَّلات التضخُّم في المملكة المتحدة، ممَّا عزَّز التوقُّعات بأنَّ بنك إنجلترا (Bank of England) سيُقدِم على رفع مُعدَّلات الفائدة.

لكن في يونيو 2016، أدَّى تصويت المملكة المتحدة لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي إلى تراجع قيمة الجنيه الإسترليني فورًا إلى نطاق يتراوح بين 1.20 و1.25 أمام الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1985، فضلًا عن تسجيله لأكبر انخفاض يومي منذ انهيار نظام بريتون وودز. ومنذ ذلك الحين، تأرجحَ سعر زوج GBP/USD بين 1.20 و1.40، باستثناء فترة بداية جائحة كوفيد-19، عندما لجأ المستثمرون إلى الدولار الأمريكي بوصفه ملاذًا آمنًا وسط حالة الضبابية وعدم اليقين حول المشهد الاقتصادي، الأمر الذي دفع بالجنيه الإسترليني إلى الانخفاض إلى 1.16 مقابل الدولار.

كما ألقت الإغلاقات خلال جائحة كوفيد-19 بظلالها، تزامنًا مع فقدان المملكة المتحدة لإمكانية وصولها السلس إلى الأسواق الأوروبية عقب اتفاقية بريكست، على آفاق نمو الاقتصاد البريطاني. وفي الوقت ذاته، أدَّت التوتُّرات الجيوسياسية مثل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى تعزيز قيمة الدولار الأمريكي، إلى جانب التأثير الإضافي الناجم عن ارتفاع مُعدَّلات الفائدة في الولايات المتحدة.

وفي عام 2022، اضطرَّ بنك إنجلترا للتدخُّل مع هبوط قيمة الجنيه الإسترليني ليُسجِّل قاعًا عند 1.035 مقابل الدولار، وذلك بسبب أزمة ثقة في الحكومة البريطانية وارتفاع معدَّلات التضخُّم والبطالة والمخاوف بشأن الاقتصاد المحلي. ومع ذلك، تعافى الجنيه بحلول أبريل 2023، ليُصبح أفضل العملات أداءً بين عملات مجموعة الدول العشر G-10 (مجموعة تضم عشر من أقوى الاقتصادات العالمية من حيث التأثير المالي والنقدي، وتضم البنوك المركزية لهذه الدول التي تتعاون في قضايا السياسة النقدية والتمويل الدولي، وعلى الرغم من اسمها إلَّا أنَّها تضم فعليًا 11 دولة) خلال العام.

وواصل الجنيه الإسترليني مكاسبه مقابل الدولار خلال عام 2024، إذ ارتفع تدريجيًا من 1.271 في بداية العام ليبلغ ذروته عند 1.343 في سبتمبر، ويُعزى هذا الارتفاع على نحوٍ أساسي إلى قرار بنك إنجلترا بالحفاظ على مُعدَّلات فائدة مرتفعة مقارنةً بالبنوك المركزية الأخرى. إلَّا أنَّ قوة الدولار الأمريكي المتزايدة قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر وبعدها أدَّت إلى تراجع الجنيه إلى 1.25، ليستقر سعره مقابل الدولار عند نحو 1.27 مع بداية ديسمبر.

وجوابًا على السؤال هل الجنيه الإسترليني (GBP) أقوى من الدولار الأمريكي (USD) اليوم؟ فوفقًا لمجلة Forbes، يُصنَّف الجنيه الإسترليني خامس أقوى عملة في العالم لعام 2024، بينما يحتل الدولار الأمريكي المرتبة العاشرة. وهنا يطرحُ سؤالٌ آخر نفسه، ما الأسباب التي تجعل الجنيه الإسترليني أقوى من الدولار حتى الآن؟ وهل هو فعلًا أقوى؟

لنحاول إذًا الإجابة على السؤال، هل الجنيه الإسترليني (GBP) أقوى من الدولار الأمريكي (USD)؟

بدايةً، بالنسبة للسؤال لماذا يُعدّ الجنيه الإسترليني أكثر تكلفةً أو أعلى من حيث القيمة الاسمية مقارنةً بالدولار الأمريكي؟ ففي سوق الفوركس، لا يعتمد تقييم قوة اقتصادات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على قيمة الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي فقط، إذ يأخذ المحللون في الحسبان عواملًا أخرى قد تُثير تساؤلات حول مدى قوة الجنيه الإسترليني الفعلية، ونُبيِّن فيما يلي مجموعةً من المفاهيم المرتبطة بهذه العوامل.

مفهوم القيمة الاسمية أو النظرية (Nominal Value)

تشير القيمة الاسمية للعملة إلى ما تساويه (كرقم) مقابل عملة أخرى في سوق الفوركس. وكما ذكرنا سابقًا، شهدتْ القيمة الاسمية لكلٍّ من الجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي تغيُّراتٍ كبيرة على مرِّ الزمن. ورغم أنَّ الجنيه الإسترليني كان دائمًا أكثر تكلفةً من الدولار الأمريكي، إلَّا أنَّ بناء استنتاج مطلق في ضوء هذه المعلومة يُعدُّ أمرًا اعتباطيًا إلى حدٍّ ما. كما تجدر الملاحظة لكون العدد الإجمالي من الجنيهات الإسترلينية المطروحة في السوق أقل بكثير مقارنةً بالدولار الأمريكي، إذ بلغت قيمة الجنيهات الإسترلينية المتداوَلَة حتى نوفمبر 2024 نحو 82 مليار جنيه إسترليني فقط، مقابل 2.35 تريليون دولار أمريكي، ويُسهم هذا الفرق في إجمالي العرض النقدي بدعم قيمة GBP المرتفعة.

القوة النسبية للعملة

تُعدّ قوة أي عملة مقارنةً بأخرى مسألة نسبية، فقد تكون العملة قوية مقابل عملة ما، ولكنها ضعيفة مقابل عملاتٍ أخرى. فعلى سبيل المثال، قد يرتفع الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي، لكن في الوقت ذاته يتراجع مقابل اليورو (EUR) والدولار الأسترالي (AUD) والين الياباني (JPY)، وهو ما يعني أنَّ القيمة النسبية للجنيه الإسترليني لا تزال ضعيفة، ولكنها ليست بنفس درجة ضعف الدولار الأمريكي. يعود ذلك إلى أنَّ القوة النسبية لا تُحدَّد فقط بناءً على قيمة العملة مقابل الأخرى، بل تتأثَّر أيضًا بعوامل اقتصادية مثل التضخُّم ومُعدَّلات النمو الاقتصادي والميزان التجاري، والتي تُحدِّد مدى قوة الاقتصاد ككل.

وبالتالي، لقياس القوة الحقيقية لعملة ما، يُراقب المحللون أداءها مقابل مجموعة واسعة من العملات على مدى فترة زمنية طويلة. فعلى سبيل المثال، يُستخدَم مؤشِّر الدولار الأمريكي DXY لتقييم قيمة الدولار الأمريكي مقابل مجموعة من العملات الرئيسية لشركائه التجاريين (عملات الاقتصادات التي تمتلك أكبر حجم تبادُل تجاري مع الولايات المتحدة) والمنافسين، وهو ما يُعدّ مقياسًا أكثر دقة لقيمة الدولار مقارنةً بالنظر إليه في سياق زوج عملات واحد فقط (مثل زوج GBP/USD).

أسس نظام التسعير

يُعبِّر استخدام زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي (GBP/USD) كنظام تسعير عن مدى قوة الجنيه الإسترليني. فعلى سبيل المثال، عندما يبلغ سعر زوج GBP/USD القيمة 1.25، فهذا يعني أنَّه يلزم 1.25 دولار أمريكي ($) لشراء 1 جنيه إسترليني (£).

إذ نشأ نظام التسعير هذا في أواخر القرن التاسع عشر خلال حقبة الإمبراطورية البريطانية، عندما كان الاقتصاد البريطاني أكبر حجمًا من الاقتصاد الأمريكي. وعلى الرغم من التحوُّل اللاحق في موازين القوى الاقتصادية، استمرَّ هذا النظام إلى يومنا. فمنذ الحرب العالمية الأولى، تجاوز الاقتصاد الأمريكي نظيره البريطاني من حيث الحجم.

إلَّا أنَّ تعديل أنظمة التسعير يُعدُّ أمرًا بالغ الصعوبة ويُمثِّل تحدٍّ حقيقي نظرًا لترسُّخها العميق في القِطاع المالي. مع العلم أنَّ استمرار استخدام نظام تسعير قائم على زوج GBP/USD لا يُعدُّ بحدِّ ذاته مؤشِّرًا حاسمًا على قيمة الجنيه الإسترليني أو الدولار الأمريكي الواقعية الفعلية.

مفهوم تكافؤ القوة الشرائيَّة (PPP)

رغم أنَّ سعر تداوُل زوج GBP/USD يوحي بأنَّ كفة الميزان ترجح لصالح الجنيه الإسترليني من حيث القوة، إلَّا أنَّ مفهوم تكافؤ القوة الشرائيَّة (PPP) قد يُشير إلى نتائج مختلفة، إذ يقيس PPP القيمة الفعلية للعملة بناءً على تكلفة مجموعة مرجعية من المنتجات والخدمات. ومن هذا المنظور، قد يكون الدولار الأمريكي أقوى من الجنيه الإسترليني.

يرتكز مفهوم PPP على أنَّ سعر صرف زوج العملات ينبغي أن يُحقِّق التكافؤ في القوة الشرائيَّة لكل عملة في بلدها. فعلى سبيل المثال، إذا كانت تكلفة مجموعة مرجعية من المنتجات والخدمات في المملكة المتحدة 100 جنيه إسترليني، وكان سعر صرف زوج GBP/USD عند 1.15، فإنَّ PPP يُشير إلى أنَّ التكلفة المكافئة لنفس المجموعة في الولايات المتحدة يجب أن تكون 115 دولارًا أمريكيًا (ليُعدَّ سعر الزوج تعبيرًا فعليًا عن قوة العملات).

أمَّا على أرض الواقع، فكثيرًا ما تتباين أسعار الصرف عن مستويات PPP. وتُشير درجة تباين الجنيه الإسترليني أو الدولار الأمريكي عن مستوى PPP إلى مدى قوَّتهما أو ضعفهما بالمقارنة مع عملة أخرى (وربما يتبادر إلى الذهن سؤال هنا: ما سبب هذا التباين وأليس من المُفترض أن تُعبِّر أسعار الصرف عن مستوى PPP؟ في الواقع رغم أنَّ تكافؤ القوة الشرائية يُوفِّر مقياسًا نظريًا لقيمة العملات بناءً على القوة الشرائية، إلا أنَّ الأخيرة تُمثِّل عاملًا واحدًا من بين مجموعة أوسع من العوامل التي تؤثِّر على أسعار الصرف الفعلية والتي سنتعرَّف عليها لاحقًا في مقالنا).

دور العملة على مستوى الاقتصاد العالمي

رغم أنَّ الاقتصاد الأمريكي أقوى من نظيره البريطاني، إلَّا أنَّ تاريخ الجنيه الإسترليني كعملة احتياطي عالمي سابقة، إلى جانب النفوذ السياسي والاقتصادي للمملكة المتحدة، قد أسهما في الحفاظ على قوَّته. إذ يُعدُّ الجنيه الإسترليني من أقدم العملات في العالم، والذي طُرِح في السوق لأوَّل مرة خلال القرن الرابع عشر. ولا تزال المملكة المتحدة تُصنَّف كأحد المراكز المالية العالمية الكبرى، كما أنَّ بنك إنجلترا يُواصل المشاركة بفاعلية في التطوُّرات الاقتصادية الدولية.

لنتعرَّف الآن على العوامل الأوسع المؤثِّرة على زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي (GBP/USD)

تتأثَّر قيمة الجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي بعددٍ من العوامل الرئيسية، نُبيِّنها فيما يلي:

السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي

تُؤثِّر قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن مُعدَّلات الفائدة وبرامج التيسير الكمي بشكلٍ كبير على قيمة الدولار الأمريكي. فعلى سبيل المثال، عندما يقوم الفيدرالي الأمريكي برفع مُعدَّلات الفائدة، فإنَّ الدولار الأمريكي يكتسب عادةً مزيدًا من القوة، نظرًا لزيادة الطلب عليه من قِبَل المستثمرين الباحثين عن عوائد أعلى على الأصول المُسعَّرة بالدولار (مثل السندات الحكومية والأسهم الأمريكية). في حين قد يضعِف الدولار في حال تلويح الفيدرالي بنيته لخفض مُعدَّلات الفائدة أو في حال خفضها بالفعل.

السياسة النقدية لبنك إنجلترا

على نحوٍ مماثل، تُؤثِّر السياسة النقدية لبنك إنجلترا مباشرةً على قيمة الجنيه الإسترليني. إذ يُمكن لرفع مُعدَّلات الفائدة في المملكة المتحدة أن يجذب الاستثمارات الأجنبية، ممَّا يزيد من الطلب على الجنيه الإسترليني ويُعزِّز من قوَّته. في المقابل، فإنَّ اتباع سياسات خفض مُعدَّلات الفائدة أو تصاعد المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي قد يؤدِّي إلى تراجع قيمة الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي.

مُعدَّل التضخُّم

يُعَدّ التضخُّم عاملًا رئيسيًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياسات النقدية، إذ غالبًا ما يدفع ارتفاع التضخُّم البنوك المركزية إلى رفع مُعدَّلات الفائدة للحدِّ من ارتفاع الأسعار. وإذا ارتفع مُعدَّل التضخُّم في إحدى الدولتين بوتيرة أسرع مقارنةً بالأخرى، فقد يُؤثِّر ذلك على سعر الصرف. فعلى سبيل المثال، استمرار مُعدَّلات التضخُّم المرتفعة في المملكة المتحدة خلال عامي 2023 و2024 فرض ضغوطًا على بنك إنجلترا دفعته إلى الإبقاء على سياسة نقدية متشدِّدة (والتي تشمل إجراءات مثل رفع مُعدَّلات الفائدة وتقليل المعروض النقدي وتشديد شروط الإقراض ليكون أثرها كبح التضخُّم وارتفاع قيمة العملة مقابل تباطؤ النمو الاقتصادي).

بيانات التوظيف

تؤثِّر مؤشِّرات سوق العمل، مثل مُعدَّلات البطالة وأرقام إنشاء فرص العمل، على توقُّعات أداء الاقتصاد. فعادةً ما تُسهم البيانات القوية لسوق العمل الأمريكي في دعم الدولار، بينما يُمكن لبيانات التوظيف الإيجابية في المملكة المتحدة أن تُعزِّز من قوَّة الجنيه الإسترليني. وفي حال ظهرت اختلافات كبيرة في اتجاهات التوظيف بين البلدين، فقد يُؤدِّي ذلك إلى تقلبات ملحوظة في سعر زوج GBP/USD.

الأحداث الجيوسياسية

تؤدِّي التطوُّرات السياسية العالمية إلى اضطراباتٍ في أسواق العملات، إذ يُمكن لأحداث مثل اتفاقية بريكست والصراع بين روسيا وأوكرانيا والتوتُّرات التجارية بين الولايات المتحدة والصين أن تؤثِّر على سعر صرف الجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي. وفي فترات عدم اليقين العالمي، يتَّجه المستثمرون عادةً إلى ما يُعرف باسم الملاذات الآمنة، وهو ما يُعزِّز من قوَّة الدولار الأمريكي، بينما يكون الجنيه الإسترليني أكثر عُرضةً للضعف خلال فترات عدم الاستقرار السياسي.

المؤشِّرات الاقتصادية الأخرى

تلعب العديد من المُؤشِّرات الاقتصادية دورًا في تحديد اتجاهات سعر الصرف، ومن أبرزها مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي والنمو في الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، فعندما تُسجِّل المؤشِّرات الاقتصادية بيانات إيجابية، يُشير ذلك إلى اقتصاد قويّ، ممَّا يدعم العملة المرتبطة به. فعلى سبيل المثال، إذا أظهرت مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة نموًا غير متوقَّع، فقد يُؤدِّي ذلك إلى ارتفاع سعر الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي. وفي المقابل، يُمكن أن يُؤثِّر ضعف الإنتاج الصناعي الأمريكي سلبًا على قيمة الدولار الأمريكي.

التأثيرات على المتداولين والاقتصادات

تُؤدِّي التقلُّبات في سعر صرف زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي (GBP/USD) إلى تأثيراتٍ واسعة النطاق على كلٍّ من المُتداولين والاقتصادات ككل.

بالنسبة للمتداولين

يُولي متداولو العملات اهتمامًا كبيرًا لتحرُّكات زوج GBP/USD، نظرًا لكونه أحد أكثر أزواج العملات سيولةً ونشاطًا في سوق الفوركس. وتُوفِّر التقلُّبات في هذا الزوج فرصًا محتملةً للتداول قصير الأجل، لا سيَّما خلال الإعلانات الاقتصادية الرئيسية، مثل قرارات مُعدَّلات الفائدة أو نشر بيانات التوظيف. لكن في الوقت ذاته، تُؤدِّي هذه التقلُّبات إلى زيادة مستوى المخاطرة، ممَّا يستوجب اعتماد استراتيجيات إدارة مخاطر محكمة، من قبيل استخدام طلبات وقف الخسارة الدقيقة وتحديد حجم الصفقات وفقًا لظروف السوق.

يستخدم المتداولون عادةً المؤشِّرات الاقتصادية، مثل تقارير التضخُّم أو محاضر اجتماعات البنوك المركزية، لمحاولة توقُّع الاتجاهات السائدة على المدى الطويل في تحرُّكات زوج GBP/USD. فعلى سبيل المثال، إذا لمَّح بنك إنجلترا إلى نيته رفع مُعدَّلات الفائدة، فقد يتَّجه المتداولون إلى شراء الجنيه الإسترليني، متوقِّعين ارتفاع قيمته. وبالمثل، فإنَّ قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد يكون لها تأثيرٌ واسع، لا سيَّما عندما تؤدِّي قوَّة الدولار إلى تغيُّرات في الأسواق العالمية.

بالنسبة للاقتصادات

في المملكة المتحدة، يُمكن لانخفاض قيمة الجنيه الإسترليني أن يُساهم في تعزيز الصادرات، إذ يجعل السلع البريطانية أكثر تنافسية في الأسواق العالمية، وهو ما يعود بالفائدة على قِطاعات مثل التصنيع والسياحة. إلَّا أنَّ ضعف الجنيه يُؤدِّي أيضًا إلى ارتفاع تكاليف الواردات، ممَّا قد يُسهم في زيادة التضخُّم المحلي.

أمَّا في الولايات المتحدة، تُساعد قوَّة الدولار على جذب رؤوس الأموال العالمية، ممَّا يُعزِّز من دوره كعملة احتياطي عالمي. في حين قد يضرُّ الدولار القوي بالصادرات الأمريكية، إذ يجعل السلع الأمريكية أكثر تكلفة في الأسواق الخارجية.

الأفكار الختامية

حافظَ الجنيه الإسترليني تاريخيًا على قيمة اسمية أعلى من الدولار الأمريكي نتيجة عوامل تقليدية تاريخية. في حين يُعدُّ الدولار الأمريكي أقوى من الناحية العملية، كونه العملة الاحتياطية العالمية مع أحجام تداول أكبر.

ويُعدُّ الإلمام بالعوامل المؤثِّرة في تحرُّكات زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي (GBP/USD) عاملًا مُساعدًا في تطوير استراتيجيك التداولية، فمن خلال تحليل المؤشِّرات الاقتصادية، يُمكنك توقُّع تحرُّكات السوق واتِّخاذ قرارات تداول مدروسة وأكثر وعيًا.

فإذا كنتَ مستعدًا لبدء التداول في سوق الفوركس، ما عليك سوى فتح حساب لدى FXOpen اليوم. إذ يمكنك تحليل مخطَّطات الأسعار المباشرة بالزمن الفعلي، والتداوُل بسلاسة عبر منصة TickTrader بفضل المجموعة الواسعة من أزواج العملات المُتاحة.

الأسئلة الشائعة

ما الأسباب التي تجعل الجنيه الإسترليني أعلى كقيمة من الدولار الأمريكي؟

سؤال مهم، إذ يتساءل الكثيرون "لماذا الجنيه الإسترليني أقوى من الدولار؟". يعود ارتفاع القيمة الاسمية للجنيه إلى عوامل تاريخية، مثل دوره السابق كعملة احتياطي عالمي، بالإضافة إلى محدودية المعروض من الجنيه مقارنةً بالدولار. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنَّ الاقتصاد البريطاني أقوى من نظيره الأمريكي.

هل الجنيه الإسترليني يزداد قوةً مقابل الدولار الأمريكي؟

تتقلَّب قوَّة الجنيه الإسترليني بناءً على المؤشِّرات الاقتصادية والسياسات النقدية والتطوُّرات الجيوسياسية. ورغم أنَّه تعافى من مستوياته المُنخفضة الأخيرة، إلَّا أنَّ قيمته مقابل الدولار تعتمد على الاتجاهات الاقتصادية المستمرة على المدى الطويل.

لماذا يبدو الجنيه الإسترليني في أوج قوته هذه الفترة؟

قد يُعطي الجنيه الإسترليني انطباعًا بالقوَّة نتيجةً لارتفاع مُعدَّلات الفائدة في المملكة المتحدة، وتحسُّن توقُّعات الاقتصاد البريطاني، أو ضعف الدولار الأمريكي. ومع ذلك، فإنَّ قوَّته النسبية تختلف عند مقارنته بعملاتٍ أخرى.

ما العملات التي تفوق الجنيه الإسترليني من حيث القيمة؟

توجد عدَّة عملات تفوق الجنيه الإسترليني من حيث القيمة الاسمية، من قبيل الدينار الكويتي والدينار البحريني والريال العُماني، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنَّ اقتصادات هذه الدول أقوى أو أكبر من الاقتصاد البريطاني.

هذا المقال يعبر فقط عن رأي الشركات التابعة لمجموعة FXOpen، ولا ينبغي تفسيرها أو تأويلها على أنها عرض أو دعوة أو توصية أو نصيحة مالية فيما يتعلق بمنتجات وخدمات الشركات التابعة لمجموعة FXOpen.